عندما اجتاحت أزمة فيروس كوفيد-19 العالم وأصبح الناس بحاجة لطلب احتياجاتهم من الأدوية عبر الإنترنت، كان تطبيق شفاء على الهاتف المحمول قائماً وجاهز للتحميل. تقوم دعاء عارف -العضو المؤسس لتطبيق شفاء – بإدارة هذا الكيان الناجح الآن، واستطاعت التغلب على الكثير من العقبات لتحقيق نجاحها في ريادة الأعمال في مصر.
وُلدت دعاء – 34 عاماً – ونشأت في مدينة طنطا بمصر وهي الابنة الكبرى لوالدها الذي يعمل مهندساً ووالدتها التي تعمل مُدرسّة. منذ صغرها، كانت دعاء دائماً شغوفة بإدارة الأعمال. عندما كانت في المدرسة الابتدائية، كانت تشتري ملصقات من متجر قريب وتبيعها لأصدقائها من أجل الربح!
ومرت السنوات سريعا وأنهت دعاء دبلومها الجامعي وسجّلت للحصول على ماجستير إدارة الأعمال في إحدى الجامعات الخاصة بالإسكندرية. في الوقت نفسه، عملت في وكالة إعلانات بالقاهرة. لمدة ثماني سنوات، كانت الدعاء تتنقل يومياً من طنطا إلى الإسكندرية إلى القاهرة ثم العودة مرة أخرى في هذا المسار - حوالي ست ساعات يومياً ذهاباً وإياباً. عندما رأى والدها كم كانت هذه الرحلة اليومية مرهقة على دعاء، نصحها بالانتقال إلى القاهرة - على عكس كل الأعراف الثقافية.
حزمت دعاء أغراضها وانتقلت إلى المدينة الكبيرة حيث استأجرت مسكن واستقرت هناك. بدا كل شيء يسير طبيعياً حتى جاء هذا اليوم في عام 2016 حيث تغير كل شيء. تم تشخيص دعاء بالسرطان وأنها تحتاج إلى جراحة فورية وعلاج مستمر.
بعد إجراءها جلسة العلاج باليود المشع لمدة أسبوع، اضطرت دعاء إلى عزل نفسها. وخلال تلك الفترة، تمكنت من طلب كل ما تحتاجه عبر الإنترنت، باستثناء الشيء الوحيد الذي تتوقف حياتها عليه وهو الدواء. أثناء قضائها لساعات طويلة في غرف الانتظار بالمستشفيات، التقت دعاء بمرضى آخرين شاركوها نفس المعاناة في الحصول على الأدوية عن بعد.
دعاء كانت مصممة على حل هذه المشكلة. وأخذت تفكر كثيراً: "لابد وأن أن يكون هناك طريقة ما!".
نجحت دعاء في التغلب على السرطان لكنها أصبحت بحاجة إلى الدواء بشكل دائم. قامت لأول مرة بإنشاء جروب على WhatsApp مع البعض من الصيدليات بالقرب من مسكنها. سرعان ما أثبتت الفكرة عدم فعاليتها عندما لم يتوفر الدواء في أي من هذه الصيدليات، أو عندما تلقت جرعة خاطئة من الوصفة الطبية.
اتصلت دعاء بصديقتها رشا راضي وهي طبيبة أطفال وناقشت معها سبل حل هذه المشكلة. كانت كلٌ من الصديقتين تحلم بامتلاك تطبيق يدعم نظام تحديد المواقع (GPS) ويسمح للمرضى بطلب الأدوية وتوصيلها من أقرب صيدلية. جعلت دعاء من مهمتها البحث عن الفكرة وجعلها حقيقة واقعة. وقد وجدت منصات مماثلة قائمة بالفعل في الولايات المتحدة، وكرست وقتها للبحث في القواعد واللوائح ذات الصلة في مصر. على الرغم من أن القوانين التي تحكم العمل الصيدلاني في مصر تعود إلى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلا أن الأمر دفعها لإيجاد حلول للتحول الرقمي في هذا الصدد.
في يوليو 2017، قررت كلٌ من دعاء ورشا الانضمام إلى مسابقة مسرعات الأعمال والشركات الناشئة وتقديم فكرة مشروعهم. وعندما تم اقصاؤهم في وقت مبكر من المسابقة، كانت دعاء على شفا التخلي عن حلمها. "هو أنا مين علشان أغيّر العالم؟". ثم أخذت تفكر مرة أخرى، ولحسن الحظ لم تستسلم!
تقدمت دعاء ورشا بطلب إلى برنامج مسرعات الأعمال Flat6Labs الممول من الولايات المتحدة، والذي تم إطلاقه في عام 2011 من خلال الدعم الفني من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خلال السنوات الأولى. يُعد Flat6Labs الآن من الشركات الرائدة في مجال رأس المال الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو يرعى ويستثمر في رواد الأعمال المبتكرين و الشغوفين ممن لديهم أفكار متطورة قائمة على التكنولوجيا. من خلال Flat6Labs، حصلت دعاء ورشا على المشورة والتوجيه ومساحة عمل إبداعية التدريب العملي الذي يركز على ريادة الأعمال وإمكانية الوصول إلى شبكة الموجهين والمستثمرين.
من خلال هذا الدعم، وُلد تطبيق "شفاء" - حلم دعاء ورشا - في عام 2017. وبسرعة ملحوظة، بدأت الشركات الناشئة الأخرى في تبني فكرتهما عن تطبيق الأدوية عبر الإنترنت. أصبحت المنافسة شرسة، وخاصةً في الوقت الذي واجهت فيه دعاء هجوم غير مبرر. حيث بدأت الشركات المنافسة في نشر إشاعة على وسائل التواصل الاجتماعي تدّعي أن شفاء كانت عملية احتيال. تم إرسال رسائل بريد إلكتروني مجهولة المصدر إلى المستثمرين تُحذرهم من شفاء. حينها أُصيبت دعاء بالإحباط. شرع الأشخاص الذين يعرفون دعاء ومنصتها في الدفاع عنها، وفي تحوّل مثير للغاية للأحداث، حظيت شفاء باهتمام إيجابي أكثر من أي وقت مضى.
عندما اندلعت جائحة كوفيد-19، لجأ معظم الأشخاص إلى التسوق عبر الإنترنت لتجنب مخاطر الازدحام في الأماكن العامة. ولحسن الحظ، كان تطبيق شفاء مستعد لتوصيل الأدوية إلى المنازل.
على الرغم من كل النجاحات التي حققتها دعاء، إلا أنه لا يزال لديها في بعض الأحيان بعض التشكك. فمن الصعب أن تنجح رائدة أعمال شابة وسط بيئة أعمال يهيمن عليها الذكور. وبدلاً من أن تترك هذا الأمر ليحبطها، استخدمت دعاء منصتها لأهداف تمكين المرأة حيث تخلق بيئة مواتية في شركتها المكونة من 69 شخص من خلال توفير فرص متساوية للجميع وجعل الفتيات والسيدات يشعرن بالأمان في العمل. نتيجة لذلك، وصلت النسبة المئوية من موظفيها إلى 60% من السيدات.
اليوم، تدعم منصة شفاء مئات الآلاف من المرضى في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تقدم منصة شفاء الدعم على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع من خلال صيادلة معتمدين إلى جانب إنشاء أول مدوّنة صيدلانية باللغة العربية لتثقيف الجمهور حول الاستخدام المسؤول للأدوية. وتم اختيار شفاء مؤخراً للانضمام إلى برنامج Google لتسريع الشركات الناشئة في المنطقة.
# # #
من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قامت الحكومة الأمريكية بدوراً رئيسياً في تحسين منظومة ريادة الأعمال بأكملها في مصر من خلال إنشاء عدد من حاضنات الأعمال الأولى من نوعها في الجمهورية وجذب الشركاء من القطاعين الخاص والعام للانضمام إلى هذا الاستثمار الأمريكي. ساعدت الولايات المتحدة أكثر من 10,000 مصري في تعزيز أعمالهم من خلال برامج التوجيه والمشورة والحاضنات ومسرعات الأعمال. تمثل الفتيات والسيدات مورداً أساسياً في الاقتصاد المصري لم يتم استغلاله بالشكل الأمثل حتى الآن - فقط 15%من جميع الأعمال التجارية مملوكة للسيدات. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه من المتوقع أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي لمصر بنسبة 34٪ - إذا ارتفعت معدلات توظيف الإناث لتُضاهي معدلات الذكور.